
يستعد لبنان لبدء عمليات التلقيح ضد فيروس "كورونا" مطلع الشهر المقبل. الاتفاق الأوّلي المعقود مع شركة "فايزر" يسمح بالحصول على ربع مليون جرعة خلال عشرة أيام.
لكن عمليات النقل والتجهيز كما دلّت التجربة في أميركا وأوروبا تدعو إلى الحذر وسط توقّع بأن يأخذ الأمر مزيداً من الوقت، لا سيما أن الجانب اللوجستي من العملية فرض وقائع كثيرة كانت بعيدة جداً عن التصور النظري وعن التخطيط الذي تضمنته الإدارات المعنية في الغرب.
في لبنان مشكلات متنوعة، بحسب صحيفة "الأخبار"، أبرزها وأهمها غياب الإحصاءات الدقيقة للمواطنين وللمقيمين على الأراضي اللبنانية. حتى الآن، يجري التعامل مع رقم تعرضه الأمم المتحدة استناداً إلى حسابات غير موثقة بدقة، لكنها تشير إلى وجود أقل من سبعة ملايين شخص على الأراضي اللبنانية، بينهم أكثر من مليونين من غير اللبنانيين. كذلك ثمة فئة "غير المعروف وجودهم"، من الوافدين تهريباً أو لم يسبق لهم أن سُجِّلوا في أيّ من القوائم المتعارف عليها في البلاد. يُضاف إلى ما سبق التضارب الكبير في المعلومات الموجودة لدى المؤسسات غير الحكومية التي تعنى بشؤون اللاجئين أو النازحين أو الهاربين الى لبنان.
وتشير "الأخبار" إلى مشكلة اضافية تتعلق بعمليات التصنيف الجارية، وذلك ربطاً بآلات قياس معتمدة عالمياً وقد لا تنطبق على لبنان، خصوصاً لجهة العدد الفعلي للذين يفترض تلقيحهم، إذ يجري الحديث عن نسبة تلامس الـ80 في المئة من السكان. لكن هذه النسبة اعتمدت في الغرب أو البلاد المكتظة بالسكان، ربطاً بدرجة الاختلاط. كذلك هناك عامل يتعلق بالفئات العمرية. ففي النموذج الأوروبي، صُنّف من عمرهم فوق الثمانين السنة، كفئة كبيرة، يجب أن يسبق حصولها على اللقاح من هم بعمر السبعين سنة. بينما لا يمكن في لبنان التعامل مع الأمر إلا وفق قاعدة أن كبار السن هم فعلياً الذين يتجاوزون الخامسة والستين من العمر (يُقدَّرون بنحو 7 في المئة من السكان، في مقابل أكثر من 20 في المئة في أوروبا). ثم إن عدد اللبنانيين من الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة يمثلون كتلة كبيرة، وبالتالي، فإن احتساب المصابين أولاً، ثم الذين هم دون الـ18 سنة ثانياً، ثم إزالة الاخطاء، يكون لبنان بحاجة الى تلقيح أقل من ستين في المئة من عدد سكانه. وهذا من شأنه تسهيل المهمة الاكثر صعوبة، وهي الخاصة بتجهيز مراكز التلقيح.
وتضيف الصحيفة إن الدراسات القائمة حتى الآن تُظهر أن اختيار مستشفيات أو مراكز طبية قد لا يكون أمراً مناسباً ربطاً بالتنظيم الكبير الذي تحتاج إليه هذه المراكز للفصل بين مهمتي التلقيح من جهة، ومهمة متابعة الطبابة من جهة ثانية، عدا عن كون غالبية المراكز الطبية في لبنان ليست بالحجم الذي يتيح تنظيم وجود بشري كبير بصورة متواصلة خلال فترة زمنية غير قصيرة. وضيق الأمكنة سيفرض وتيرة من الاختلاط التي تهدد العملية برمتها، بينما تظهر الدراسات الاولية أن هناك حاجة الى بنية من نوع مختلف، تقوم على فكرة استخدام ساحات كبيرة، مثل ملاعب كرة القدم في المدن الكبرى أو مراكز الأقضية، وحيث يجب إقامة مستشفيات ميدانية تقتصر موجوداتها على خط يحتوي على خيم الانتظار، حيث يتم التثبت من قوائم المصرّح لهم بالحصول على اللقاح في هذا التاريخ، تجاورها خيم التجهيز التي يتم فيها تلقّي اللقاح، وهي تكون عادة ملاصقة للخيم التي تحوي اللقاحات، وتليها خيم الانتظار لنحو نصف ساعة بعد اللقاح للتثبت من عدم ظهور علامات تحسّس عند متلقّي اللقاح. كما ينبغي إقامة خيم مجهّزة لتقديم الإسعافات الطبية لأيّ متلقّ تظهر عليه علامات تحسس أو أي أعراض جانبية أخرى، إضافة الى جاهزية لوجستية (غرف عناية) أو "سيارات إسعاف" لمعالجة المتضررين أو نقلهم الى مراكز طبية متخصصة.
من جانب آخر، هناك الجاهزية البشرية للفريق الذي سيقوم بعملية التلقيح، إذ في حالة لبنان، لا يمكن الاستعانة بالجسم التمريضي بصورة كبيرة، لأنه مشغول أصلاً بدوره القائم في المستشفيات والمراكز الطبية. وبالتالي سيكون العدد المتاح من الممرضين قليل جداً، ما يوجب تدريب عدة آلاف من المتطوعين لعمل "الإسعاف" الذي يتيح لهم القيام بعملية التلقيح بإشراف متخصصين، وهو أمر متاح، ويمكن توفيره في فترة قياسية في حالة قررت الدولة إشراك الهيئات الاهلية الاسعافية في هذه العملية. ويوجد في لبنان هيئات لديها قدرات وطواقم قادرة على المساعدة بقوة، مثل الصليب الاحمر اللبناني والهيئة الصحية الاسلامية وآخرين، وهذه نقطة مهمة ليس واضحاً أنها حظيت باهتمام كبير أو بخطة عملانية حتى الآن.
لكن، فوق كل ذلك، تلفت "الأخبار" إلى أن ثمة معضلتين: الأولى تتعلق بضمان وصول الكمية المطلوبة من اللقاحات، والثانية تتعلق بجدول الفئات التي يفترض تلقيحها وفق برنامج أولويات خاص بحالة لبنان.