أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقرّ المجلس،
وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها: "نجدد التبريك والتهنئة للأمة بمولد خير البرية اجمعين التي كان وجودها احدى ثمرات هذه الشخصية الفذة ومصاديق الرحمة الالهية للعالمين اذ حقق هذه التحولات الكبرى التي لم تقتصر فقط على المساحة الجغرافية المحدودة للجزيرة العربية، وانما تعدتها لتغطي العالم بلا استثناء وإن بشكل غير مباشر، بما أرست من قواعد حضارية جديدة وغير مألوفة في الثقافة والفكر الذي اطلقته من عقاله بعد ان ذهب طي النسيان وحل محله التقليد والعصبية والانانية والتي حكمت بالمناسبة الحركات والسكنات والعلاقات بين الافراد والجماعات على صعيد الامم وعلى مختلف الاتجاهات، لا تكاد تستثنى منها جماعة من الجماعات أو امة من الامم في اي ناحية من مناحي الحياة فلربما فهم البعض اقتصار الجاهلية على ما كان السائد في جزيرة العرب، وهو بتقديري فهم خاطئ يلزم تصحيحه، فالجاهلية كان لها صبغة الشمول والاستيعاب عالمية الامتداد تتشابه فيها الامم والجماعات وإن تفاوتت النسبة من جماعة لاخرى ومن أمة لأمة، وهذا بحث آخر ليس هذا محله".
اضاف: "يقول أمير المؤمنين، واصفا حال العرب والعالم عند البعثة النبوية الشريفة، فعن العرب يقول: ان الله سبحانه بعث محمدا نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار، منيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الاصنام فيكم منصوبة، والاثام بكم معصوبة، هذا حال البيئة العربية، واما وصفه حال اهل الارض كما ورد في تعبيره فيقول: بعث الله سبحانه محمدا رسول الله. وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة: بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة"، وهذا يبين بوضوح ان الجاهلية لم تكن حالة تخص الجغرافيا العربية وأنما هي حالة عامة ومنتشرة يمكن توصيفها بانعدام الوعي الفكري والثقافي تتمظهر بمظاهر متعددة من الاختلاف والفرقة والتخلف الفكري والعقائدي والعلمي، قائمة على الاهواء اي على غير اساس علمي او فكري موضوعي وانما على مصالح ضيقة اودت بهم الى الضلال واتباع غير سبيل الرشاد".
وتابع: "وكان صلى الله عليه بما حمله من رسالة الهدى عاملا على الاخذ بأيدي الناس الى تغيير حضاري في حياتهم بما دلهم عليه ونبه عقولهم وايقظها واثار فيها عوامل التساؤل والتشكيك بما هم عليه من الاخذ بما وجدوا عليه آباءهم دون تفكير، عبر الله تعالى عنه بقوله جل من قائل ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وانا على اثارهم مهتدون)، وهذا من اهم عوامل التخلف وعناوين الجاهلية وهو الجمود الفكري، ولذلك كان من اولويات الرسل والانبياء واهداف الرسالات محاربة هذه الحالة المرضية وتخليص الشعوب منها وبعث الشك في المسلمات لديها واثارة العقول وبناء الحاله الاعتقادية على اساس الادلة والبراهين، وهو ما نراه جليا في حركة النبي ابراهيم ابو الانبياء الرسالية وهو ما ركز عليه القرآن الكريم في بيان الدور الذي لعبه هؤلاء وبالاخص وبشكل مميز حينما تحدث عن الرسول محمد حيث قال تعالى مبينا الدور الذي قام به في سورة الاعراف: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، فالآية الكريمة تضع مهام النبوة الخاتمة في عدة اهداف، الاولى: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مهمة اصلاحية على المستوى الاجتماعي، والثانية: احلال الطيبات وتحريم الخبائث، وهي مهمة تشريعية تتعلق بمصالح العباد العامة وانها ليست بمنأى عن الحاله العقائدية والارتباط الايماني، والثالثة: الدفاع عن الكرامة الانسانية وتحرير الانسان من قيود التبعية، ان ما تقدم شرط في الحصول على المعرفة الحقة وهو اتباع الانبياء والاخذ بتوجيهاتهم وتطبيق التعاليم الإلهية الحقة. فسلام عليك سيدي يارسول الله، وعلى آلك الطاهرين في يوم مولدك المبارك الذي اشرقت به السماوات وانزاحت به ظلمات الارض واحسن الشاعر اذ قال: ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء".
وقال: "نسأل الله التوفيق للانتفاع بهذا النور الالهي الذي انبعث ليزيل ظلمات النفوس وعمى القلوب (فإنه لا تعمى الابصار وانما تعمى القلوب التي في الصدور)، ونرى آثارها الكارثية على كل الصعد من اقتصادية ونقدية اجتماعية وامنية في لبنان، وهي الاشد خطورة، وهي انعكاس لحالة الازمات الاجتماعية التي طاولت لقمة العيش للمواطن، ناهيك عن ازمة المحروقات التي تنذر بتوقف دورة الحياة استجابة لشروط البنك الدولي مع عدم معرفتنا بنتائج المفاوضات معه والى ما ستفضي اليه، مع العلم ان هناك خيارات اخرى يمكن الذهاب اليها من دون تبعات سياسية ومالية، والذي لا يقل اهمية عن كل ذلك هو موضوع القضاء وجعله اداة سياسية ليس فقط بيد القوى الداخلية النافذة، وانما ان يكون عرضة للتدخل الخارجي وبعض سفراء الدول الاجنبية كما تحدث عنه بعض الاعلام، وهو اخطر ما يمكن تصوره على مصالح الدولة والنظام والكرامة الوطنية إن أبقى هذا النظام من كرامة لوطن وشعب، هذا التدخل السافر والمستنكر الذي تستهدف فيه المقاومة التي باتت عنوان الكرامة كما تستهدف فيه الرموز الوطنية مع الاعتراف المتأخر لها بانجاز التحرير واخراج العدو الاسرائيلي من ارضنا، ويعمل دوما على توريطها بمشاكل داخلية لتشويه صورتها ومحو انجازاتها من الذاكرة الوطنية، وكان آخرها ونأمل ان يكون الاخير افتعال مجزره الطيونة الغادرة واللئيمة، اقول نأمل ان تكون سببا لاصلاح هذه السلطة القضائية التي تشكل ركيزة اساسية من ركائز الاصلاح، وان تكون الاستدعاءات التي حكي عنها بالامس حقيقية وبداية لمسار قضائي اصلاحي جديد، قلنا ان على الدولة ان تثبت انها دولة باجراء تحقيقات نزيهة تكشف المتورطين بدماء مواطنين ابرياء لن نقبل باهدار دمائهم ولن نرضى الا بالقصاص العادل للفاعلين وتسمية الجهات التي تقف خلفهم بشكل لا لبس فيه".
وختم متمنيًا "الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والصبر والاجر الجزيل لعوائلهم الكرام".