
أكَّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أنَّ السيد عباس الموسوي غاب بجسده لكن بالروح والفكر والثقافة وبكل من واصل دربه لا يزال موجودًا بكلماته وخطاباته.
وفي مقابلةٍ عبر قناة "المنار" عن المسيرة والمسار للأمين الشهيد السيد عباس الموسوي، أشار السيد نصر الله إلى أنَّه تعرَّف على سماحته في العام 1976 في النجف الأشرف عبر الشهيد الشيخ علي كريم، موضحًا أنَّه التقى برفقة السيد عباس الموسوي بالسيد محمد باقر الصدر "قدس" بعد أن ذهبا إلى منزله.
وبيَّن أنَّ السيد الموسوي كان ذكيًا جدًا وكان لديه جدية في عمله ودراسته، وكان طالبًا مُجِدًّا جدًا ولا وقت لديه ليضيعه، لافتًا إلى أنَّ السنة الدراسية مع السيد عباس كانت تُوازي ثلاث سنوات سواءً من عدد الأيام أو من عدد الدروس.
وأضاف سماحته: "منهجية السيد عباس في التربية والتعليم كانت غير مألوفة في النجف فقد كان يُسمّع لطلابه ليتأكد من فهمهم للدروس ويجري امتحانات فصلية، وكان يحرص على تنويع الدروس لنا ويختار مُدرّسينا والمواد التي تُعطى لنا لأنَّ لديه مشروع يتعلق بالبلد".
وشدَّد على أنَّ السيد عباس كان أبًا وأمًا لطلابه وكان يحرص على تفقد الجميع قبل النوم ويسألهم عن طعامهم وشؤونهم، وكان يكودر طلابه ثقافيًا وعقائديًا ليصنع منهم قادة على مستوى التقوى والثقافة.
وذكر السيد نصر الله أنَّه بعد اعتقال السيد محمد باقر الصدر صار السيد عباس مطلوبًا للمخابرات العراقية لأنه كان من خواص الشهيد ولكنه كان قد ذهب إلى لبنان للتبليغ فراسلناه أن لا يعود إلى النجف لكي لا يتم القبض عليه.
كما أشار سماحته إلى أنَّه "بعد العودة إلى لبنان ضمن حملة تهجير العلماء من العراق قصدنا السيد عباس الذي قرَّر أن نذهب إلى بعلبك الهرمل لانشاء حوزة وذلك لإحياء المنطقة تربويًا وثقافيًا كما أنَّها كانت منطقة آمنة"، مؤكدًا أنَّ السيد عباس قبل إنشاء الحوزة أخذ مُباركة السيد موسى الصدر والسيد محمد حسين فضل الله الذي دعم الحوزة حتى العام 1982 وأخذ من السيد محمد باقر الصدر إجازة بصرف الحقوق الشرعية.
كذلك قال: "خلال انتصار الثورة الاسلامية كان العالم كله يواكب حركة الامام الخميني(قده) ويوم الانتصار كانت الفرحة عارمة جدًا وكان حلمنا الذي يتحقق والسيد عباس كان متفاعلًا جدًا وكان الأكثر سعادة.
ولفت السيد نصر الله إلى أنَّه بعد شهادة السيد الصدر تأثَّر السيد عباس فقد كان مرتبطًا به جدًا ويعتقد بمرجعيته وقيادته وولايته، مبينًا أنَّ "تربية الشهيد الصدر الحقيقية تُحيلك تلقائيًا إلى الإمام الخميني وكل من كان عاشقًا وملتزمًا بفكر ومنهجية ووصية الشهيد الصدر اتبع الإمام الخميني وهكذا كان حال السيد عباس".
الأمين العام لحزب الله أوضح أنَّ الحوزة كانت جزءًا من خطة السيد عباس لاستقطاب الطلاب وإعداد علماء في جميع المناطق وكان يعمل على توسيع الكادر التعليمي أيضًا، كما أنَّه استمر برعايته الأبوية في حوزة بعلبك للطلاب من متابعة طعامهم وزواجهم وديونهم ومنازلهم.
وأشار إلى أنَّه "علمنا بالاجتياح ونحن في طهران لحضور مؤتمر، وحينها الموقف حُسم منذ اللحظات الأولى وهو مقاومة الاحتلال منع تمدده إلى مناطق أخرى وبعدها اخراجه من كافة الأراضي اللبنانية والامام الخميني تبنى هذا الموضوع من الناحية الشرعية".
كما بيَّن سماحته أنَّ السيد عباس كان أساسيًا بين المجموعة المؤسسة لحزب الله وانبثقت عنهم اللجنة التي ذهبت للامام الخميني وكان السيد متحدثًا باسم الوفد، موضحًا أنَّه "كان خيارنا مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وطلبنا الدعم فبارك الإمام الخميني هذه الخطوة وأعطى توجيهاته وقال إنّي أرى لواء النصر معقودًا على جبينكم".
وأضاف السيد نصر الله: "موضوع ولاية الفقيه لدى السيد عباس هو من فكر السيد محمد باقر الصدر ومع انتصار الثورة الاسلامية طبق الامام الخميني ولاية الفقيه علمًا أنَّ أهم من أصَّل لفكرة الولي الفقيه هم علماء عامليون ومن أخذ ولاية الفقيه إلى إيران هم فقهاء جبل عامل".
وتابع: "أول قاعدة عسكرية في لبنان كانت في المدرسة الدينية في بعلبك والتسجيل لأول دورة كان هناك وحتى التحاق الأخوة من المناطق المختلفة، السيد عباس حضر في الدورة التدريبية الأولى، كما كان علماء البقاع وأولهم السيد عباس يجولون على القُرى للعمل التعبوي ودعوة الناس للمقاومة".
سماحته ذكر أنَّ السيد عباس كان حاضرًا في الميدان وتسلم مسؤولًا لمنطقة الجنوب وكوَّن حضورًا مميزًا بشخصه مع المجاهدين ومع أهالي القرى وكان حاضرًا في الخطوط الأمامية في غرفة العمليات، ووكانت حركته علنية وكان يحضر تشييع الشهداء ويخطب في المناسبات.
وشدَّد السيد نصر الله على أنَّ السيد عباس كان يرى ثمرة هذا الطريق إما النصر أو الشادة، ومن يقاتل في مشروع الانتصار لديه الحق أن يطمح للشهادة.
وأشار إلى أنَّ "السيد عباس بعد انتخابه أمينًا عامًا لحزب الله ولكن سماحته رفض ذلك ورشحني، فطلبت منه الاستخارة ليُحسم الأمر، وكان الخيرة جيدة على استلام السيد عباس"، مؤكدًا أنَّ السيد عباس لم يطلب أي منصب أو دنيا في حزب الله وكان شجاعًا في مواجهة العدو وحنونًا على ناسنا.
وأوضح أنَّ السيد عباس ذهب باتجاه الضغط على الدولة لتحمل مسؤوليتها تجاه الناس وبدأ بحركة معينة عبر زيارته للمناطق المحرومة بهدف مقاومة الحرمان إلى جانب مقاومة الاحتلال.
وبيَّن سماحته أنَّ السيد عباس كان رأيه وجوب المشاركة في الانتخابات النيابية للحضور في المجلس النيابي ومؤسسات الدولة لحماية المقاومة وخدمة الناس.
وتابع: "كان السيد يطلب شهادة تطهر كل أجزاء بدنه، وقبل شهادته بشهرين تقريبًا قال السيد عباس الموسوي لي "أنا مش مطوّل" وأخبرني منامًا فُسِّر بأنه سوف يستشهد مع السيدة أم ياسر وابنه حسين وكان لديه يقين أنه سوف يستشهد على يد الصهاينة".
ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أنَّه في ذكرى الشهداء القادة يقدم تقريرًا لهم في عليائهم أين وصلنا وماذا طورنا، مؤكدًا أنَّ "اليوم المقاومة أقوى من أيِّ وقتٍ مضى روحيًا ومعنويًا ويقينًا وعزيمةً وعسكريًا وعلى صعيد العدة والعتاد والثقة بالبيئة، حتى على صعيد حركات القاومة".
وعلى صعيد البيئة، شدَّد على أنَّ "جمهور المقاومة الأكبر في لبنان وهي بيئة مضحية تقدم أبناءها وتحميك في بيوتها واليوم تخوض معركة الضغوط الاقتصادية التي تضاهي الحروب العسكرية، وهم صامدون وثابتون لأنَّ هذه المقاومة هي لهم منهم، وهم مساهمون بهذه المقاومة".
كما بيَّن السيد نصر الله أنَّ شهادة السيد عباس أدخلت المقاومة وحزب الله إلى كلِّ قلب وعقل وثبَّتت هذا الحزب وحملتنا مسؤولية من بعده بسبب حجم هذه الدماء.