أكد رئيس الوفد السوري معاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان، الثلاثاء، أن إعلان تركيا رسمياً وبشكل لا لبس فيه أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، والبدء بشكل فعلي بالانسحاب من هذه الأراضي هو "المدخل لإعادة التواصل بين الجانبين".
وفي كلمة أمام الاجتماع الرباعي السوري الروسي الإيراني التركي، شدد سوسان على أن إعادة الأوضاع في شمال شرق وشمال غرب سوريا إلى ما كانت عليه تتطلب ظروفاً تتحقق بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها وبانسحاب القوات غير الشرعية ومكافحة الإرهاب وإعادة بسط سلطة الدولة السورية على كل أراضيها.
وأوضح سوسان أن "سوريا تعرضت لحرب إرهابية غير مسبوقة خلال الأعوام الـ12 الماضية، وذلك بتخطيط ودعم كامل وغير محدود من بعض الدول الغربية والإقليمية والعربية، حيث جاء الإرهابيون الأجانب إليها من أكثر من مئة دولة حسب تقارير الأمم المتحدة وللأسف كان ذلك عبر دول الجوار".
وشكر المسؤول السوري "الأصدقاء الروس والإيرانيين على مساعدتهم القيمة لسوريا في مواجهة هذا الإرهاب، ونقدر موقفهم الداعم لها طوال هذه السنوات، لكن بالمقابل لا نستطيع أن نغفل أن دولاً أخرى قد سلكت طريقاً مختلفاً حيث استغلت الوضع الذي خلقته هذه الحرب لإرسال قواتها بشكل غير شرعي إلى سوريا والتواجد على أراضيها بدون أي دعوة او تنسيق مع الحكومة الشرعية، هذا إضافة إلى تقديم الدعم إلى المجموعات الإرهابية في سوريا".
وأضاف سوسان إن "التوصيف القانوني للتواجد العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية سواء في شمال شرق سوريا أو في شمال غربها ومن قبل أي كان، واضح للغاية، فهذا التواجد ينتهك أحكام القانون الدولي ويخالف مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، كما يتعارض مع علاقات حسن الجوار والمبادئ الناظمة للعلاقات السلمية بين الدول ومع كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بسوريا"، مشيراً إلى أنه "لا توجد أي أحكام قانونية دولية تعطي الحق لأي دولة أن تنتهك سيادة الدول الأخرى أو أن تتدخل عسكرياً في أراضيها دون موافقة الدولة المعنية، وذلك تحت أي ذريعة كانت بما في ذلك محاربة الإرهاب".
ورأى معاون وزير الخارجية أن "وجود أي خطر إرهابي يفرض عملياً وقانونياً التعاون والتنسيق مع الدولة المعنية لمواجهة ذلك، وقد عبرت سوريا مراراً وتكراراً عن استعدادها لمثل هذا التعاون طالما أنه يتم في إطار احترام سيادتها ووحدة أراضيها"، مشدداً على أن سوريا "لا تنظر إلى الخلف بقدر ما تنظر إلى الأمام، وهي مع الحوار ومد جسور التواصل مع كل الدول حتى تلك التي كان لها أدوار سلبية خلال سنوات الأزمة، وذلك بناء على ثوابتها الوطنية وانطلاقاً من حرصها على مصالح الشعب السوري وسعيها لتحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المنفجرة، وبناء أفضل العلاقات مع الدول المجاورة بما يخدم مصالح شعوبها، وهذا بالطبع يشمل تركيا التي تجمعنا بها حدود مشتركة طويلة حيث أكدت حادثة الزلزال التي ضربت سوريا وتركيا في السادس من شباط الماضي أن السياسة لا يمكن أن تلغي حقائق التاريخ والجغرافيا أو المصالح المشتركة أو عمق الترابط بين الشعبين الصديقين السوري والتركي".
وأكد سوسان أن سوريا "تعاملت بإيجابية وانفتاح مع جهود الأصدقاء الروس والإيرانيين الرامية إلى إعادة التواصل بين سوريا وتركيا، ولكن الوصول إلى هذا الهدف له ظروف ومتطلبات موضوعية يجب توفرها، ويجب أن تكون هناك إرادة حقيقية وحوار جاد للوصول إلى ذلك، ومن الواضح أن أول هذه الظروف والمتطلبات هو الالتزام الكامل بسيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها، وأن يتم البدء فوراً بتطبيق هذا المبدأ الأساسي بشكل فعلي على أرض الواقع"، مشيراً إلى أن "هذا المبدأ يبقى بدون معنى حقيقي إن لم يترجم ويجسد بالبدء بانسحاب كل القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية بما في ذلك القوات التركية، وعدم عرقلة جهود الدولة السورية في إعادة بسط سلطتها على كل أراضيها بما فيها المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وعن تقديم الدعم والحماية للمجموعات الإرهابية في سوريا، وخاصة في منطقة إدلب التي باتت تشكل خزاناً ومحمية للإرهابيين على الأراضي السورية ما يهدد الأمن والاستقرار ويعرض حياة المدنيين هناك للخطر".
وقال المسؤول السوري إن "لم نر حتى الآن أي مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا، وبالأخص في منطقة إدلب وإعادة بسط سلطة الدولة على هذه المنطقة، لا بل إن تركيا لم تلتزم حتى بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في إطار أستانا أو مع الجانب الروسي"، معرباً عن استعداد سوريا "للتنسيق مع الأصدقاء الروس والإيرانيين ومع الجانب التركي حول مختلف الجوانب العملية المتعلقة بانسحاب قواته من الأراضي السورية بما فيها دخول قوات الجيش العربي السوري إلى المناطق التي ستنسحب منها هذه القوات لضمان إتمام هذه العملية بشكل سلس وعدم سيطرة المجموعات الانفصالية أو الإرهابية عليها".
واعتبر سوسان أن "مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره حتى القضاء النهائي عليه تمثل مصلحة مشتركة للجميع سواء كان هذا الإرهاب متمثلاً بـ"داعش" و"جبهة النصرة" والتنظيمات والمجموعات المرتبطة بهما أو المتحالفة معهما أو بحزب العمال الكردستاني والتنظيمات والمجموعات المرتبطة به، ولا يمكن أن تكون محاربة الإرهاب انتقائية، فمن جهة نطالب بمحاربة حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وفي نفس الوقت تتم حماية أو التغاضي عن "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، خاصة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، فكل هذه التنظيمات الإرهابية تشكل خطراً على سوريا وعلى الدول الأخرى وتجب محاربتها والقضاء عليها في كل المناطق مع بسط سلطة الدولة السورية على هذه المناطق".
وأشار معاون وزير الخارجية إلى أن "من المعروف أن السياسات الخاطئة التي قامت بها بعض الدول منذ بداية الأزمة بهدف إضعاف الدولة السورية هي التي أدت إلى وجود ميليشيات وكيانات ذات نزعة انفصالية في شمال شرق سوريا، وهي التي خلقت وضعاً أمنياً غير مستقر وغير مضبوط في تلك المنطقة سواء بالنسبة لسوريا أو لتركيا وعليه من الطبيعي أن معالجة هذا الوضع الناشئ تتطلب أولاً وقبل كل شيء إعادة الأوضاع في شمال شرق وشمال غرب سوريا إلى ما كانت عليه، وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة"، مضيفاً أن "كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها وسلامتها الاقليمية وبما يشمل انسحاب كل القوات غير الشرعية وإعادة بسط سلطة الدولة السورية على كل أراضيها وهو الأمر الذي سيفتح الباب للتنسيق والعمل المشترك لمواجهة المخططات والكيانات الانفصالية في شمال شرق سوريا، وكذلك معالجة المشاكل الأمنية المشتركة ذات الصلة بما في ذلك العمل على ضبط الحدود المشتركة واتخاذ تدابير مشتركة لمنع التهريب وتسلل الإرهابيين عبرها".
وأوضح سوسان أن "مسؤولية ضبط الحدود بين الدول المتجاورة هي مسؤولية مشتركة وهي تتم بالتعاون لا بالإجراءات الأحادية التدخلية أو غير الشرعية، كما أن محاربة الإرهاب لا تتم بانتقائية أيضاً لافتاً إلى أنه في إطار ما سبق يمكن التعاون في موضوع عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا، وهذا الأمر يتطلب العمل على توفير المتطلبات والبيئة اللازمة لذلك، بما فيها تحقيق الأمن والاستقرار عبر بسط سلطة الدولة على أراضيها وتهيئة البنى التحتية والتمويل اللازم، والجانب السوري مستعد لاتخاذ الإجراءات التي تقع على عاتقه بناء على ذلك".
وأشار المسؤول السوري إلى أن "كل الجوانب المتمثلة أساساً في موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية وبإنهاء أي وجود إرهابي في سوريا وبإعادة بسط سلطة الدولة السورية على هذه الأراضي هي جوانب تتسق مع القانون الدولي ومع البيانات الختامية الصادرة عن اجتماعات أستانا، وهي جوانب عملية وواقعية ومتطلبات موضوعية محلية لإعادة التواصل بين سوريا وتركيا، بما يصب في تحقيق مصالح البلدين وتلبية تطلعات شعبيهما الصديقين"، مضيفاً أن "إذا كان الجانب التركي جاداً فعلاً في تصحيح العلاقة مع سوريا وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه سيكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه، وهو الأمر الذي سيفتح الباب لمختلف مجالات التنسيق والتعاون التي تستجيب لهواجس البلدين وتحقق مصالحهما المتبادلة".