
إن الثورة العظيمة التي فجّرها روح الله الخميني (قدس سره) قبل أربعة وأرربعين عامًا، لم ترتبط مفاهيمها وآثارها بانتفاضةٍ مرحليةٍ فحسب، بل هي امتدت إلى أجيال متعاقبة، معززةً الدور الجهادي والفكر المقاوم في مواجهة الاستكبار العالمي.
ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران، تخطى فكر الإمام الخميني (قدس سره) حدود الزمان والمكان، لا سيما تجاه التهديد الذي تمثله الغدة السرطانية "إسرائيل" بالنسبة إلى الإسلام والمنطقة، كما شكلت القضية الفلسطينية أولويةً في أسس وأبعاد التي فجّرها الإمام الراحل، ولمّا كانت هذه الثورة تهدف إلى رفع الظلم والاستكبار عن الشعوب وتحرّرها، فإن الإمام رأى أن إكمال الثورة وتمامية حركتها لا يتحققان إلا بإزالة "إسرائيل" من الوجود.
في أحد خطاباته، وقبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، يقول الإمام الخميني (قدس سره): "على البلدان الإسلامية أن تدافع بكل قواها عن الأهداف الفلسطينية وأن تدافع عن الحركات التحررية في العالم"، في دعوةٍ وجهها إلى العالم الإسلامي، دولًا وشعوبًا، لتلبية نداء الحق في طريق تحرير فلسطين، وتسخير القوى للقيام والنهوض في سبيل مواجهة عدو الأمة، محذرًا من المهادنة والمسالمة مع الكيان "الإسرائيلي" على حساب حقوق الأمة وحقوق الشعب الفلسطيني.
ولضمان استمرار تجديد العهد تجاه هذه القضية المركزية عبر العصور، وتعزيز روح النهضة لدى الشعوب المستضعفة في العالم في مواجهة قوى الاستكبار، لم يغب عن الإمام الخميني الراحل تحديد موعد سنوي خاص للإحياء ولتأكيد الوفاء تجاه قضية فلسطين والقدس، حيث أعلن يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام يوماً عالمياً للقدس.
وفي هذا الصدد، يقول الإمام الخميني (قدس سره): "يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين.. يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين". ويضيف الإمام: "يوم القدس يوم يجب أن نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب أن تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات إلى القوى الكبرى".
ولمّا كان الإمام الخميني (قدس سره) يرى أن أهمّ مسار للانتصار ولتحرير فلسطين هو اتّحاد الأمّة الإسلاميّة في مسار المواجهة مع "إسرائيل"، فإنه لم لم يوفّر جهداً في سبيل صون الوحدة الإسلامية، إن كان في خطاباته أو توصياته للشعوب المسلمة، أو حتى خطواته العملية. ففي السابع من آب 1979 قال الإمام في خطابٍ وجّهه إلى الشعوب المسلمة في أقطار العالم: " أطلب من المسلمين جميعاً حول العالم والحكومات الإسلاميّة التلاحم من أجل أن نكفّ يد هذا الغاصب ومن يسانده.. وأن يُعلن المسلمون تآزرهم الدّولي الدّاعم للحقوق القانونيّة لهذا الشّعب المسلم".
لقد أوْلى روح الله الخميني (قدس سره) اهتماماً خاصًا لقضيّة فلسطين ولأهميّة الكفاح والتصدّي لـ"إسرائيل". فكانت من أولى الخطوات التي أقدم عليها بعد انتصار الثورة وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني تحويل سفارة العدو "الإسرائيلي" في طهران إلى سفارة لدولة فلسطين المحتلة.
هكذا استطاعت الثورة الإسلامية أن توجه البوصلة في وجدان الأمّة الإسلامية نحو القضية الفلسطينية، فبقيت "فلسطين البوصلة" شعلة الجهاد في فكر الأجيال المقاوِمة حتى يومنا هذا، وما زال الأحرار حول العالم ينتظرون تحقّق وعد الإمام بتحرير فلسطين ومقدساتها، ولو بعد حين.