
تعد مدينة منبج خطاً اقتصادياً ساخناً يربط مدينة حلب بطرفي نهر الفرات الشرقي والغربي منه، وتقع في شمال شرقي محافظة حلب على بعد 80 كيلو مترا من المحافظة و30 كيلو مترا غربي نهر الفرات. ويبلغ عدد سكانها حسب الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء عام 2004، ما يقارب 100 ألف نسمة، إلا أن هذا العدد ارتفع خصوصاً بعد نزوح السكان من المناطق المجاورة إليها مثل حلب وكوباني وعفرين وغيرها من المدن السورية. وتختلف أهمية السيطرة على هذه المدينة بين الجهات المتصارعة.
الأهمية بالنسبة لتركيا
تعتبر تركيا "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية (العصب الأساس لقوات سوريا الديمقراطية) امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة من "المنظمات الإرهابية"، كما تخشى من إقامة الأكراد دويلة على حدودها مما سيشكل مثالاَ قد يقتدي به أكراد الأناضول. لذا تقدم أنقرة الدعم لفصائل المعارضة السورية وتحاول السيطرة عليها في أي فرصة تتسنى لها.
وساعدت تركيا الفصائل المسلحة شمالاً في تشكيل "الجيش الوطني" عبر دمج فصائل عدة منها الفرقة 13 وفرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد ولواء المعتصم، لاستخدامهم كأداة في مشروعها في تأمين الحدود الجنوبية لتركيا.
وتمتد المدن ذات الأغلبية الكردية في سوريا على طول الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، الأمر الذي دفعها منذ بداية الصراع إلى محاولة الدخول للمدينة لفصل تلك المدن عن بعضها، وبالتالي لمنع المكون الكردي من الوصول إلى تحقيق حكم ذاتي في سوريا.
الأهمية بالنسبة للأكراد
تعتبر منبج بالنسبة لوحدات حماية الشعب الكردية، الشريان الإقتصادي بسبب نشاط الحركة التجارية التي تربط مدينة حلب بمناطق شرق الفرات وغربها مثل القامشلي والرقة والحسكة وشرق دير الزور.
وتوجد في المدينة قواعد عسكرية للتحالف الدولي وهي خط ساخن لدعم العمليات اللوجستية للمقاتلين الأكراد، عدا عن أنها تربط المدن ذات الأغلبية الكردية من شمال شرقي البلاد إلى شمال غربها، وبالتالي قد يصبح المقاتلون الأكراد أقوى لحصولهم على اللإمدادات اللازمة بسهولة.
الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة
كانت الولايات المتحدة تستخدم مدينة منبج كورقة ضغط على تركيا من خلال دعم الأكراد الذين هزموا تنظيم ما يعرف بـ "داعش" من منبج. وخاصة أن تركيا لم تسمح للولايات المتحدة من استخدام قاعدة "أنجرليك" التركية وتقربها من روسيا. وتعد منبج نقطة جغرافية مهمة في شمال سوريا، إذ استخدمها داعش سابقا لاستقبال وإرسال عناصره من وإلى سوريا وخاصة أولئك القادمين من أوروبا وباقي أنحاء العالم. إلا أن قوات سوريا الديمقراطية التي دعمها طيران التحالف الدولي تمكنت من طرد داعش عام 2016.
توالي القوى المسيطرة على منبج
بعد أن وصل الصراع المسلح في سوريا إلى مدينة منبج، سيطر عليها "الجيش الحر" الذي كان وما زال مدعوماً من تركيا حتى يناير/كانون الثاني 2014. ثم جاء تنظيم "داعش" وانتزعها من سيطرتهم ليبقى فيها أكثر من عامين.
واستطاعت "قوات سوريا الديمقراطية" طرد عناصر التنظيم وبسط سيطرتها في أغسطس/آب 2016. وفي بدايات عام 2017، تشكل مجلس منبج العسكري الذي يضم كرداً وعرباً وتلقى استشارات وتدريبات عسكرية من وحدات حماية الشعب والتحالف الدولي. وفي الآونة الأخيرة صعّدت تركيا من تهديداتها للقيام بهجمات على منبج لطرد القوات الكردية منها.
وجرت التطورات بشكل سريع في ديسمبر/كانون الأول الحالي، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإنسحاب من منبج، في حين سارع الأكراد إلى الاتفاق مع موسكو ودمشق التي أرسلت 300 من عناصرها إلى المناطق الحدودية لمنبج للعمل جنباً إلى جنب مع القوات الروسية ومقاتلي مجلس منبج العسكري، بناء على طلب من وحدات حماية الشعب، إضافة إلى إعلان الجيش السوري أمس دخوله مدينة منبج عبر بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة. وأدت هذه الخطوة إلى تريث تركيا وإيقاف تهديداتها بالهجوم على منبج.