الرئيس عون خلال مؤتمر اللقاء المشرقي: سياسات "إسرائيل" تجاوز فاضح لكل القوانين والقرارات الدولية ومؤشّرٌ خطير لما يُحضّر
تاريخ النشر 11:46 14-10-2019 الكاتب: إذاعة النور البلد: محلي
82

رأى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن "عقد مؤتمر للقاء مشرقي يجمع في ورشات عمله مفكرين من مختلف مكونات المشرق هو جهد مشكور، خصوصاً في خضمّ الأخطار الوجودية والكيانية التي تتربص بشعوبنا وأوطاننا".

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون

وأضاف الرئيس عون خلال مؤتمر اللقاء المشرقي الذي عُقد اليوم: "عقدٌ من الزمن قد مضى ومشرقنا لا يزال في قلب العاصفة، يتعرّض لشتى أنواع الخضّات؛ حروب داخلية ربيعية مزقت مجتمعاتنا وشرذمت شعوبنا. حروب إرهابية تدميرية خلّفت مئات آلاف الضحايا والمهجرين، وحفرت في ذاكرة أجيالنا صوراً وحشية لن تمحى بسهولة، وصبت حقدها وجهلها على أعرق المعالم التاريخية والدينية والثقافية. حروب اقتصادية خانقة فرملت كل محاولات النمو وأضعفت الانتاج فتلاحقت الأزمات. وعلى خط مواز، سياسة اسرائيلية مدعومة تناقض كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، تسعى لفرض أمر واقع جديد يضاف الى ما سبق وفرض قبل عقود، بدءاً بتهويد محجّة الديانتين الكونيتين، القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مروراً بالسياسة الاستيطانيّة الاسرائيلية التوسعيّة والقضم المستمر والممنهج للأراضي الفلسطينية، والتشريعات العنصرية، وصولاً الى النقض المتمادي لحرمة الحدود الدولية المعترف بها، وتأييد  ضم أراضٍ تم إحتلالها بالقوة كمرتفعات الجولان، إضافة الى تحول الأراضي العربية الى مادة للاستهلاك في بازار الوعود الانتخابية في الانتخابات الإسرائيلية... إن كل ما سبق إضافة الى كونه تجاوزاً فاضحاً لكل القوانين والقرارات الدولية، هو أيضاً مؤشّر خطير لما يُحضّر".

وتابع الرئيس عون: "صحيحٌ أن الحروب الساخنة كانت قد انحسرت إلى حد ما، ولكن تداعياتها مستمرة، والأخطر هو مخططات استثمار نتائجها، فالمطلوب كما تدل كل المؤشرات تفتيت المشرق طائفياً ومذهبياً وعرقياً وجغرافياً تمهيداً لإرساء تحالفات جديدة على أسس عنصرية، مذهبية وإتنية، تتماشى مع ما يُرسم للمنطقة والذي صار يُعرف باسم "صفقة القرن".
 
ورأى الرئيس عون أن "تعميم مفهوم الرهاب الإسلامي "الإسلاموفوبيا"، هو جزء أساس من هذه الحرب، ومبدأ التكفير هو الجزء الآخر، بهما تضرب الديانتين الكونيتين بعضهما ببعض، وتستفيق العنصرية ويغلو التطرف، وتتعاقب أجيال خائفة رافضة متعصبة وحاقدة. ويصبح الحديث عن "صراع الأديان والحضارات" حقيقياً وواقعاً، فهل نترك هذه الصراعات تجرفنا أم نتصدّى لها؟"، وأضاف قائلاً:  "إن التاريخ لا يسير الى الوراء، والأحاديات قد سقطت في كل العالم بجميع أشكالها الدينية والعرقية والسياسية لصالح التعددية والتنوّع، فهل يجوز أن تؤخذ مجتمعاتنا في هذا المشرق إلى أحاديات مستنسخة من ماضٍ مضى، والى عصبيات ونظم سقطت بغالبيتها منذ آجال بعيدة، ولم تعد تتماشى مع الحضارة الانسانية المشتركة التي يفترض أن تسود عالمنا اليوم؟ وهل يمكن أن نسمح بضرب هذا التنوع الطبيعي في المشرق، وهو الذي تقلّبت فيه الأكثريات والأقليات عبر التاريخ ولكنها بقيت ضمن نفس الجغرافيا؟  هنا دورنا، لا بل رسالتنا، كمشرقيين، أن نطوّر ثقافةً جديدة تدحض كلّ ما يُقال ويُكتب عن صراع الدّيانات والحضارات لأنّ هناك حضارة إنسانيّة واحدة متعدّدة الثّقافات، والمشرق الّذي أعطى الفكر الدّيني للعالم، لا يمكن أن يسمح بتحويله الى مساحة صغيرة معزولة". 
 
وفي الشأن المحلي، قال الرئيس عون: "أما لبنان، الذي يجسد بمجتمعه التعددي وتنوّعه التكويني صورة مصغرة عن تكوين المشرق، فدوره ورسالته أن يبقى أرض تلاقٍ وحوار، ورمزاً للتنوع ونقيضاً للأحادية، ورافضاً لكل أشكال التطرف الفكري والديني. رب قائل إن من يراقب السياسة في لبنان ومنتديات التواصل فيه قد لا يعتبره قادراً على القيام بهذا الدور، فالصراخ دوماً مرتفع والجدل مستعر. نختلف في السياسة نعم، تعلو الأصوات نعم، تشتد حرارة السجالات نعم، ولكن أي خلاف بيننا يبقى تحت سقف الاختلاف السياسي ولا يطال الجوهر أبداً، لا يطال حرية المعتقد ولا حرية الايمان أو حق الاختلاف، ولا يطال الوطن، فهذه من الثوابت التي يحترمها الجميع ولا يُمسّ بها. 
لذلك أقولها وأكررها، نعم إن لبنان، وعلى الرغم من مجتمعه المتفاعل والمنفعل أبداً، هو أرضٌ خصبة للتلاقي والحوار، وإيماناً مني بهذه الحقيقة سعيت لإنشاء أكاديمية دولية في لبنان، غايتها مواجهة صراع الحضارات عبر نشر ثقافة السلام، تحت مسمى "أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار"؛ فالسلام الحقيقي لا يقوم على الورق وبين القيادات بل بين الشعوب. والتعرف على الاخر، على حضارته وديانته وانتسابه البيئي يعزز المجتمعات بمفاهيم جديدة، ويخلق نهجاً من التفكير السلمي بين الناس يقوم على التعارف والتفهم. كما أن التقاء الحضارات ينتج حضارة جديدة، يتجدد فيها فكر الانسان ويخرج من عقاله الى عالم أوسع وفضاء أرحب". 
 
وختم الرئيس عون بالقول: "إن كلّ واحد منّا هو الآخر بالنسبة لآخر، ومعلوم انه "إذا خالفك آخر فافتح معه حواراً" لأن الأنسان عدو لما ومن يجهل... هذه هي قيمنا المشرقية، وسنبقى نجسدها ولن نسمح لأحد أن  يسلبنا هويتنا وثقافتنا، أو يأخذنا الى خيارات تتعارض ومصلحة وطننا وشعبنا ومجتمعنا. لقاؤنا اليوم هو خطوة في مسيرة إنسانية على درب هذا المشرق، وكل أملنا أن تتضافر جميع الجهود للمحافظة عليه وعلى ما يمثل، فالمشرق أكثر بكثير من منطقة جغرافية، هو فكرة، هو روح، هو أرض جمعت وحضنت، هكذا كان عبر التاريخ وهكذا يجب أن يبقى، نموذجاً مستقبلياً للبشريّة جمعاء وصورة مشرقة لثقافة السّلام".