وحتى لا يظلَّ كلامنا نظريّاً نرجِعُ بكم في الذاكرة القريبة إلى جولة مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق دايفيد ساترفيلد في بيروت في شباط عام ألفين وثمانية عشر مُسَوِّقاً لخط هوف البحريِّ غير المنصف ومهدداً صراحة:"إمَّا القبولُ بهذا الخط وإما حرمان لبنان من استثمار ثرواته البحرية".

حول التعاطي الأميركي مع ملف الترسيم تحدّثنا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة ليلى نقولا قائلة:"إستعمل الأميركي استراتيجيّة الاستنزاف والمماطلة في موضوع ترسيم الحدود، ولقد مرّت عشر سنوات من المماطلة، ثمّ فيما بعد في السنتين الماضيتين، وكان المسؤول عن الملف ديفيد شينكر وقال وقتها بأن هناك تصوراً أميركياً للحلّ، فإما أن يقبل اللبنانيون بهذا التصوّر وإمّا أن يبقى الغاز في البحر ولا يستفيدوا منه ولا يخرجوا من أزمتهم،وهذا التصوّر هو خط هوف الذي يُعطي لـ"إسرائيل" حقوقاً لبنانيّة". 

لكنّ عوامل عدة لبنانياً وعالمياً أجبرت الولايات المتّحدة على تبديل موقفها حيال ملف الترسيم تقول الدكتورة نقولا:"منذ العام 2020 ولغاية اليوم تعرّض اللبنانيون إلى الكثير من الضغوط الإقتصاديّة والعقوبات القصوى والتي كانت تريد أن تأخذ من لبنان ما لا يمكن أن يقبل به، واستعمل لبنان كلّ الأدوات التي يملكها سواء كانت دبلوماسيّة أو عبر المقاومة والتهديد العسكري، بالإضافة إلى أنّ الظروف الدوليّة والحرب الأوكرانية فرضت تغيّراً في المعطيات الدوليّة وهناك حاجة أوروبيّة لأن يكون هناك تنويع لمصادر الغاز والتخلّي عن الغاز الروسي، حيث أن الأميركيين يبيعون غازهم بأسعار خياليّة، لذلك يريد الأميركيون أن يستفيد "الإسرائيليون" من هذا الموضوع، خاصّة وأنّ الأميركيّ اليوم مُنشغل في أوروبا وباحتواء الصين ويريد أن يُرتّب الأجواء في الشرق الأوسط".

بناء على ما تقدم يتأكد مجدداً ألَّا فضلَ للأميركيين على اللبنانيين في ملف الترسيم.. ما سيناله لبنان من التفاهم هو نتاج موقفه الموحد وورقةِ قوة فرضتها المقاومة ومعادلاتُها البحرية فضلاً عن عدد من العوامل الخارجية.